العين والوقاية منها
حسن صالح الخالدي
الخطبة الأولى
الحمد لله الواحد القهار ، خالق الليل والنهار ، في السماء ملكه ، وفي الأرض سلطانه ، يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ترك الأمة على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ... أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله
واعلموا أنه لا يحدث في الكون أمر إلا بمشيئة الله ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) فسبحانه ما أعظمه وما أجله ، فهو رب البرية وخالق الإنسانية وبيده مقاليد الأمور .
أيها المسلمون:
النفوس البشرية تختلف عن بعضها حبا وكراهية ، وفي النفس حب وكره ، والإسلام وضع الميزان العدل لإقامة هاتين الخصلتين فقال على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
نعم : فأنت مؤمن كامل الإيمان إذا أحببت للناس ما تحب لنفسك من الخير.
أقول هذا : منبها على أمر خطير : ينافي المحبة الحقيقية بين المسلم وأخيه المسلم ،
إنها: العين
العين والإصابة بها أمر خطير، قال في شأنها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( استعيذوا بالله من العين فإن العين حق ). رواه الحاكم وهو حديث صحيح.
ومن قبل ذلك : أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والناس أن يستعيذوا بالله من العين فقال في سورة الفلق: ( ومن شر حاسد إذا حسد ) يعني العين.
الصحابي الجليل : سهل بن حنيف رضي الله عنه : اغتسل ذات مرة : وكان رجلا شديد البياض حسن الجلد ، فنظر إليه رجل اسمه عامر بن ربيعة ، فرأى صورته الجميلة ، وخلقته الحسنة ، فقال عامر:[ ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة عذراء ] أي جسد هذا وخلقته أحسن من خلقة امرأة حسناء ، فمرض سهل في مكانه واشتد به المرض فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فغضب وقال مخاطبا لعامر :
علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟ اغتسل له.
فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب عليه من ورائه فبرأ سهل من ساعته.
أيها المسلمون :
إن العائن إذا رأى شيئا يعجبه ، ولم يقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، ما شاء الله تبارك الله ، فلربما أصابت عينه ذلك الشيء ، فصادفت قدرا فحصل المكروه عياذا بالله.
ولذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث المنبهة على خطر العين ومن ذلك :
قوله: ( إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه ، فليدع له بالبركة فإن العين حق ) .
وقال: ( أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين)
وقال: ( العين حق تستنزل الحالق) أي تسقط الجبل العالي
وقال: (العين تدخل الرجل القبر ، وتدخل الجمل القدر) والمعنى أن العائن ، قد يقتل إنسانا بعينه، وقد يصيب الجمل بعينه فيمرض ، فيذبحه صاحبه فيطبخه في القدر .
وقالالعين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين ،وإذا استغسلتم فاغسلوا )
والأحاديث كثيرة في هذا لباب 0
وبالجملة فإن العائن : لا يستفيد من ذلك شيئا ، فهو لم يصب بعينه هذه يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا وإنما أصاب نفسه أو أخيه المسلم بسوء.
أيها الإخوة:
كل شيء بقدر الله والعين هي من قدر الله ، ولربما نطق الشخص على شيء وهو يمزح ، نعم وهو يمزح ، فلو حصل المقدور السيئ فماذا يكون موقف ذلك الشخص؟
إن الناس ينفرون من المتعاين ويكرهونه ويكرون حديثه وكلامه والجلوس معه ، لذا فإني أربأ بنفسي وبكم :أن يصدر منا نطق على شيء حتى ولو كان مزاحا .
وينبغي أن تدور على ألسنتنا كلمة : ما شاء الله تبارك الله ، لا قوة إلا بالله .
لكن يا أيها الإخوة ما النجاة من العين ؟
النجاة من العين ومن العائن : تنقسم إلى قسمين :
أولا: الحصن الذي يستعمله الشخص دائما حتى لا يصيبه مكروه فما هو هذا الحصن الحصين ؟
إنها الأذكار والأوراد الشرعية ، التي ينبغي للمسلم المحافظة عليها ، فلا يصيبه مكروه ولا عين ولا غير ذلك .
ومن هذه الأذكار : قراءة آية الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم ...) كاملة في كل صباح ومساء وبعد أداء الصلاة .
وقراءة قل هو الله أحد)و(قل أعوذ برب الفلق )و(قل أعوذ برب الناس ) كل سورة ثلاث مرات في الصباح وفي المساء.
وقراءة آخر آيتين من سورة البقرة ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ..... ) إلى آخر السورة.
هذا بالنسبة للآيات ، وقراءة القرآن بعامة فكله شفاء ودواء.
وأما عن الأدعية النبوية :
فيقول الإنسان عند الصباح والمساء: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، ثلاث مرات إذا أصبح وإذا أمسى.
ويقول: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ، ثلاث مرات في الصباح وفي المساء. إلى غير ذلك من الأذكار.
فمن حافظ عليها حفظه الله من كل سوء.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس: ( احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك )
فالنجاة النجاة من هذا الأمر وغيره بالرغبة إلى الله والاعتصام به وهو يحكم ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم. ( قل أعوذ برب الفلق. من شر ما خلق. ومن شر غاسق إذا وقب. ومن شر النفاثات في العقد. ومن شر حاسد إذا حسد).
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه...
أما بعد :
فأما النوع الثاني من العلاج: فمن أصابته العين أو الحسد فمرض أو صرع منها ( نعوذ بالله من ذلك ) فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف المخرج من ذلك ؟
ومن ذلك قول الصحابي:
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر أن نسترقي من العين ، أي نطلب من يرقينا أي يقرأ علينا القرآن والأذكار.
وفي البخاري ومسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى امرأة في وجهها سفعة ، يعنى صفرة فقال: بها نظرة: أي أصابتها العين من الجن ثم قال : استرقوا لها.
وفي الموطأ أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة ، وفي بيتها صبي يبكي ، فقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم به العين. أي أصابته عين العائن فقال: (ألا تسترقون له من العين )
وهاكم يا عباد الله هذه العلاجات لمن أصيب بالعين والحسد :
أولا: إذا عُرِف الشخص العائن ، أي الذي أصاب المريض بالعين ، فإنه يؤمر أن يتوضأ ، ثم يؤخذ الوضوء الذي خرج من أعضائه ، ويغتسل منه المصاب بالعين ، وهذا ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم عامر بن ربيعة عندما أصاب سهل بن حنيف بعينه .
ثانيا: يقرأ على المصاب بالعين : سورة الإخلاص ، والمعوذتين ، والفاتحة ، وآية الكرسي ، وأواخر سورة البقرة ، وتتكرر القراءة على المريض كثيرا ، وفي أثناء القراءة ينفث القارئ على موضع الألم عند المريض ، ويمسح بيده اليمنى ، يفعل ذلك عدة مرات.
ثالثا: تقرأ الآيات السابقة والأدعية السابقة في ماء أو زيت زيتون أو ماء زمزم أو ماء المطر ثم يشرب المريض من ذلك الماء ويصب عليه الباقي ، ويدهن المريض بذلك الزيت مع النفث على المريض .
رابعا: لا بأس أن تكتب الآيات القرآنية والأدعية في ورقة ثم تغسل بالماء ويشربها المريض .
هذه بعض العلاجات النافعة بإذن الله من العين ومن غيرها.
وينبغي لأهل المريض أن يفعلوا هذا معه أو يستدعون من يقرأ على مريضهم ، وأن يكون لجوؤهم إلى الله وإلى كلامه ولا يلجأ ون إلى غير الله ،لأن غير الله لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف يملك لغيره من الناس؟
وهنا وصايا أوصي بها نفسي ثم إخواني فأقول:
1) الاستعاذة بالله من شر الحاسد.
2) وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس ( احفظ الله يحفظك)
3) الصبر على الحاسد والعفو عنه.
4) التوكل على الله ، فمن توكل على الله فهو حسبه.
5) عدم الخوف من الحاسد فكل شيء بقدر الله.
6) أن تطلب رضا الله وأن تقبل عليه .
7) التوبة من الذنوب والمعاصي فالتوبة من أسباب النجاة.
الصدقة والمعروف فهذه تدفع العين والحسد.
9) كلما ازداد لك الحاسد شرا وحسدا ، زد له أنت إحسانا ونصيحة ومعروفا.
10) تعظيم الله في النفس أكثر من تعظيم غيره فهو حسبنا وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله.